Happy Chinese New Year

إطلالة على الزلزال مقدمة بقلم الشاعر والناقد أ/ عبد الرحمن البجاوى

إطلالة على الزلزال

مقدمة بقلم الشاعر والناقد أ/ عبد الرحمن البجاوى
مع عالم الواقع المغلف بالخيال الشاعرى السابح فى مسابح الإلهام والرؤية الإبداعية المعبرة عن آلام وآمال الجماهير الحالمة تحت الشمس والساعية فى دأب وراء لقمة العيش الشريفة تطل علينا هذه المجموعة التى تجمع بين القص والسرد والمشاهدة والتسجيل فى تأن وتؤدة والتى تقدمها أ. د/ مرفت محرم ابنة الطبيعة حيث ترصد مايتراءى فى المجتمع المصرى بعد ثورة يناير من فساد وتلوث بيئى وخراب فى الذمم وغياب الضمير وراء النعوش الطائرة وادعاءات المعرفة صوابا أو خطأ والانتماء الحقيقى والزائف وسط بانوراما إعلامية تسحق أناء الليل وأطراف النهار وتوقع المشاهد والقارىء فى حبائلها المتشابكة فلا يدرى أين المسير أو كيف ينظر وسط هذه الشاشات المضيئة حيناً ةالمظلمة أحيانا فيلجأ إلى الخروجمن هذا المأزق بالاتجاه إلى الخالق ـ جل وعلا ـ فيجد على باب المسجد ما يعكر صفوه فيحاول أن يغتسل من همومه وأدرانه فيلقى المياه الملوثة بالروائح العطنة ثم يخرج إلى السوق طمعا فى لقمة نظيفة شريفة تسد جوعه فيشاهد ما لا يسمن ولا يغنى من جوع ويتعرض للآفات والسموم والمبيدات التى قوضت ظهر شبابنا فى ربيع العمر وحصدت أرواح العاملين فى المصتنع والمزارع .
هكذا تناولت د/ مرفت محرم هذه المجموعة الزاخرة بالفكرة الصادقة جامعة بين القصة القصسرة والإسلوب الفنى حيث ترسم لوحة إبداعية بقلمها المعبر عن المشاهد والأحداث التى تطلعنا صباح مساء فى مجتمع المدينة والقرية وفى البيئة الوسطى والعشوائية وما فوق الوسطى وتنتقد ما يدور فى الساحة مما تألم له النفس البشرية ولكنها ـ رغم كل هذا ـ لا تعرف لليأس سبيلا وكأنها تردد فى يقين ما قال سبحانه : (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) 87 سورة يوسف
ولقد سبق أن قدمت د/ مرفت محرم من المؤلفات ما يشهد بانطلاقتها فى بحار المعرفة واغترافها من تخصصها فى العلوم الزراعية وغيرتها على الأرض التى تعد كالعرض وما فالت : لا بزمانها قط أبدا ، إن كان جوابها إيجابا فنعم ، أةو سلبا فسكوتا أبديا ، وكيف أنها تأسى لتدمير التربة الزراعية التى وهبها الله لنا فأصبحت غابة من الأسمنت بدلا من أن تكون روضا يانعا يطعم الملايين التى يحضنها النبيل منذ آلاف السنين .
وتكاد هذه المجموعة التى سمتها (الزلزال
 تكمل بكل شموخ مجموعتها (النفق التى سبق إصدارها منذ شهور ، ولا تغنى مجموعة عن أخرى فكلتاهما نسيج وحده فى التشخيص والنقد والعلاج والإسلوب واللغة الرائقة المطعمة بالخبرة الممتدة بين ريفنا ومجتمعنا فتقطف بعض التعبيرات لتشكل ما يمكن أن نطلق عليه لغة وسطى .
وقد ضمت المجموعة ثلاثين عملا ما بين قصو وقصيدة نثرية ومقال علمى ومحاكمة عصرية تعكس أثر البيئة التى تمتد أفياؤها حول فكر ابنة الطبيعة مؤكدة أن العمل الإبداعى منظومة خاصة من مشاعر متباينة تعبر بصدق عن الزلزال الذى أعقب ثورة 25 يناير 2011 م ولا زلنا نعانى رغم صدور الدستور الموفور كثيرا من الآثار .
وقد تخيرت الدكتورة / مرفت محرم عناوين قصصها ومشاهد أحداثها بعناية فتجدها من كلمة واحدة معرفة مثل : الهاوية ، الزالزال ، الحفيد ، المشهد ، العذاب ، المتهم ، المحنة ، النبوءة ، الميزان . وما جاء نكرة غير محددة بزمان ولا مكان مثل : جريمة ، نقاب . وهناك عناوين معرفة بالإضافة التى تلقى بظلالها لذى القارىء مثل : حصاد الشيطان ، سوق الغلابة ، طفل الضياع ، رصيد الكراهية ، خيال المآتة . وما جاء موصوفا مؤكدا أن الصفة تتعلق بالموصوق مثل : الطرح المر ، الحصة الأخيرة ، النعوش العائمة ، السم القاتل ، اللحظة الأخيرة ، الكلمة المدمرة ، مشاجرة زوجية ، السنوات العجاف ، اليد الآثمة . وجاء عنوان : فى مهب الريح ، كلام فى كلام ليطلق العنان للخيال فيقرأ بإمعان هذه المشاهد والقصص والموضوعات كما فى نقاب ، الذى أمسى شكلا يعود إلى العصور الوسطى وكأنه يحجب نور البصيرة التى خلقها الله بعيدا عن الحقيقة حيث نجد التصرف الأحمق "من قص ضفيرة (حنان) الصغيرة البريئة الوادعة" وتنطلق الصرخة المفزعة حزنا على هذا التصرف اللاإنسانى ، ويأتى الميزان فى كلمات معدودة على أصابع اليدين مؤكدا " لا طاعة لمخلوق مهما كان فى معصية الحق الرحيم الرحمن" ويأبى الميزان أن يميل أو يطيع السلطان ، ويسجل التاريخ ما كان بحروف من نور ـ كما تقول ابنة الطبيعة ـ ليكون عبرة للبشرية جمعاء فى كل مكان ، وفى الكلمة المدمرة نجد موقفا شامخا منتقدا ما يتاجر به بعض الذكور من تهديد بقتل الحياة الزوجية بكلمة لا مبالية حروفها ـ طلاق ـ ونهايتها فراق !!
وفى طفل الضياع المنشورة بمجلة (هديل ع 6 بثقافة المنوفية) لابنة الطبيعة نجد انتقادا للزواج العرفى الطارىء على مجتمعنا ةما وراءه من نزوة عابرة تترك طفلا فى الشارع ينضم إلى قافلة الضائعين الناقمين الذين يحصدون مرارة غيرهم فيصبون على المجتمع جام غضبهم ، ولاتنسى الحفيد الذى غادر أهله القصر بما فيه فعاد غريبا يبحث عنهم فيجدهم وراء قضبان الحديد التى تستقبل كل طريد يعبث فى القاهرة أو فى الصعيد !!
وأترك للقارىء فرصة البحث وراء الإهمال فى النعش العائم الذى يذكرنا بمأساة العبارة (السلام) التى غرق فيها سنة 2006 أكثر من 1300 راحوا طعاما للحيتان والقرش الدموى فى عرض البحر الأحمر ، ووراء سوق الغلابة الباحثين فى القمامة التى تعد ـ فى نظر المؤلفة ـ ثروة مهدرة لا نحسن استخدامها ، ولا زال صدى كلماتها فى نهاية السوق "أنا المواطن المهدود ذو الدخل المجدود فى بلد النيل الممدود والخصب المعهود والخير المنهوب والظلم المجلوب والحق المطلوب بذلة وانكسار والراضى بما تجلبه الأقدار" .
تحية للشاعرة الباحثة القاصة المبدعة د/ مرفت محرم التى وصل عدد قراء موقعها الالكترونى أكثر من ثمانية آلاف ويزيد ، ومزيدا من العطاء الصادق والمعبر عن مشاعر المثقفين والنابض بدفء الأمومة ومشاعر النبل التى تصنع الرجال وتشيد مستقبل أمتنا المنشود بصبر واقتدار .
ديسمبر 2012
أ / عبد الرحمن البجاوى
عضو اتحاد كتاب مصر